القران كاملا بمختلف الاصوات
تحديث
تحديث
جديد
القران كاملا بمختلف الاصوات
قرآن إكسبلورر http://www.quranexp lorer.com/ quran/
من مميزات البرنامج أنك ..
تستطيع أن تشاهد وتسمع التلاوة وكذلك تشاهد وتسمع الترجمة
وتستطيع اختيار المترجم الذي ترغب به إلى أكثر من لغة
وتسمع تلاوة الشيخ الذي ترغب بسماع صوته
وتسمع من أي سورة وأي آية وأي جزء وأي حزب
وتستطيع أن تجعله يكرر حسب العدد الذي ترغب به
وتستطيع تظليل الآية التي تتلى باللون الذي ترغب
وتستطيع أن تجعله تلاوة فقط بدون ترجمة أو ترجمة بدون تلاوة
وتستطيع تكبير الخط وتغير النمط وتقليب الصفحات
وأشياء أخرى كثيرة
وهناك خدمة المساعدة تخبرك بكيفية استعمال البرنامج
اللهم اجزي صاحب هذا العمل عناّ خير الجزاء وارفع ذكره في الدارين ومن قام أو سعى في نشره للخير
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
من دعا إلى هدىً، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك م ن أجورهم شيئاً،
ومن دعا إلى ضلالةٍ، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص من آثامهم شيئاً !
اللهم أغفر و أرحم راسلها و قارئها و ناشرها
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة).
ذكره الألباني في صحيح الجامع
|
شعرتان من رأسه الشريف ولحيته عليه الصلاة والسلام
رسالته عليه الصلاة والسلام الى المقوقس
السيوف التى أهديت إليه عليه الصلاة والسلام
_uacct = "UA-3859982-1"; urchinTracker();
الجواب عن الشبهة السادسة
وهي الزعم بأن المنع إنما كان لعلة ، وهي خشية الافتتان بالمقبور ، وقد زالت ، فزال المنع
.
لا أعلم أحداً من العلماء ذهب إلى القول بهذه الشبهة ، إلا مؤلف
" إحياء المقبور " فإنه تمسك بها وجعلها عمدته في رد تلك الآحاديث المتقدمة واتفاق الأمة عليها ، فقال ما نصه (ص81ـ 19) :
وأما النهي عن بناء المساجد على القبور ، فاتفقوا على تعليله بعلتين
:
إحداهما
: أن يؤدي إلى تنجيس المسجد .
وثانيهما
: وهو قول الأكثرين بل الجميع حتى من نص على العلة السابقة أن ذلك قد يؤدي إلى الضلال والفتنة بالقبر ، لأنه إذا وقع بالمسجد ، وكان قبر ولي مشهور بالخير والصلاح ، لا يؤمن مع طول المدة أن يزيد اعتقاد الجهلة فيه ، ويؤدي بهم إلى فرط التعظيم إلى قصد الصلاة إليه ، إذا كان في قبلة المسجد ، فيؤدي بهم ذلك إلى الكفر والإشراك .
ثم ساق شيئاً من النقول في العلة المذكورة عن بعض العلماء منهم الإمام الشافعي ، وقد تقدم نصه في ذلك
( ص43ـ44) ، ثم قال المؤلف المشار إليه (ص20ـ21) .
و العلة المذكورة قد انتفت برسوخ الإيمان في نفوس المؤمنين ، ونشأهم على التوحيد الخالص ، واعتقاد نفي الشريك مع الله تعالى ، وأنه سبحانه المنفرد بالخلق والإيجاد والتصريف ، وبانتفاء العلة ينتفي الحكم المترتب عليها ، وهو كراهة اتخاذ المساجد والقباب على قبور الأولياء والصالحين
.
قلت
: والجواب : أن يقال : أثبت العرش ثم انقش .
أثبت أولا أن الخشية المذكورة هي وحدها علة النهي ، ثم أثبت أنها قد انتفت ، ودون ذلك خرط القتاد
.
أم الأول ، فإن لا دليل مطلقاً على أن العلة هي الخشية المذكورة فقط ، نعم من الممكن أن يقال
: انها بعض العلة ، وأما حصولها بها فباطل ، لأن من الممكن أيضاً أن يضاف إليها أمور أخرى معقولة كالتشبه بالنصارى ، كما تقدم في كلام الفقيه الهيتمي ، والمحقق الصنعاني ، وكالإسراف في صرف المال فيما لا فائدة فيه شرعاً ، وغير ذلك مما قد يبدو للباحث الناقد .
وأما زعمه أن العلة انتفت برسوخ الإيمان في نفوس المؤمنين الخ
. فهو زعم باطل أيضاً وبيانه من وجوه :
الأول
: أن الزعم بني على أصل باطل ، وهو أن الإيمان بأنه الله هو المنفرد بالخلق ، والإيجاد كاف في تحقيق الإيمان المنجي عند الله تبارك وتعالى ، وليس كذلك ، فإن هذا التوحيد وهو المعروف عند العلماء بتوحيد الربوبية ، كان يؤمن به المشركون الذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) ، ومع ذلك فلم ينفعهم هذا التوحيد شيئاً ، لأنهم كفروا بتوحيد الألوهية والعبـادة ، وأنكروه على النبي صلى الله عليه وسلم أشد الإنكار ، بقولهم فيما حكاه الله عنهم ، (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ) . ومن مقتضيات هذا التوحيد الذي أنكروه ترك الاستغاثة بغير الله ، وترك الدعاء والذبح لغير الله ، وغير ذلك مما خاص بالله تعالى من العبادات ، فمن جعل شيئاً من ذلك لغير الله تبارك وتعالى فقد أشرك به ، وجعل له نداً وإن شهد لـه بتوحيد الربوبية ، فالإيمان المنجي إنما هو الجمع بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية ، وإفراد الله بذلك ، وهذا مفصل في غير هذا الموضوع .
فإذا تبين هذا نعلم أن الإيمان الصحيح غير راسخ في نفوس كثير من المؤمنين بتوحيد الربوبية ، ولا أريد أن أبعد بالقارئ الكريم في ضرب الأمثلة ، فحسبي هنا أن أنقل ما ذكره المؤلف الذي نحن في صدد الرد عليه ، فإنه قال بعد أسطر من كلامه السابق
(ص21ـ22):
(
ونراهم ( يعني العامة) يحلفون بالأولياء ، وينطقون في حقهم بما ظاهره الكفر الصراح بل هو الكفر حقيقة بلا ريب ولا شك ...... فكثير من جهلة العوام بالمغرب ينطق بما هو كفر صراح في حق مولانا عبدالقادر الجيلاني رضي الله عنه ...... فإن عندنا بالمغرب من يقول عن القطب الأكبر ، مولانا عبد السلام ابن مشيش رضي الله عنه أنه الذي خلق الدين والدنيا ومنهم من قالـ والمطر نازل بشدة : يا مولانا عبدالسلام الطف بعبادك ! فهذا كفر......).
قلت
: فهذا الكفر أشد من كفر المشركين ، لأن هذا فيه التصريح بالشرك في توحيد الربوبية أيضاً ، وهو مما لا نعلم أنه وقع من المشركين أنفسهم ! وأما الشرك في الألوهية فهو أكثر في جهال هذه الأمة ( ولا أقول عوامهم ) فإذا كان هذا حال المسلمين اليوم وقبل اليوم ، فكيف يقول هذا الرجل :
وقد انتفت العلة برسوخ الإيمان في نفوس المؤمنين
.
وإذا كان يريد ب
"المؤمنين" الصحابة رضي الله عنهم ، فلا شك أنهم كانوا مؤمنين حقاً ، عالمين بحقيقة التوحيد الذي جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن الشريعة الإسلامية شريعة عامة أبدية ، فلا يلزم من انتفاء العلة (ولو ثبت) بالنسبة إليهم أن ينتفي الحكم بالنسبة لمن بعدهم ، لأن العلة لا تزال قائمة ، والواقع أصدق شاهد على ذلك .
الوجه الثاني
: علمت مما سبق من الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من اتخاذ المساجد على القبور في آخر حياته ، بل في مرض موته ، فمتى زالت العلة التي ذكرها ؟ إن قيل : زالت عقب وفاته صلى الله عليه وسلم فهذا نقض لما عليه جميع المسلمين أن خير الناس قرنه صلى الله عليه وسلم ، لأن القول بذلك يستلزم ـ بناء على ما سبق من كلامه ـ أن الإيمان لم يكن قد رسخ بعد في نفوس الصحابة رضي الله عنهم ، وإنما رسخ بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ! ولذلك لم تزل العلة وبقي الحكم ، وهذا مما لا أتصور أحداً يقول به لوضوح بطلانه . وإن قيل : زالت قبل وفاته صلى الله عليه وسلم ، قلنا : وكيف ذلك وهو صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن ذلك في آخر نَفَسٍ من حياته ، ويؤيده :
الوجه الثالث
: أن في بعض الأحاديث المتقدمة باستمرار الحكـم إلى قيام الساعة ، كالحديث (12) .
الوجه الرابع
: أن الصحابة رضي الله عنهم إنما دفنوه في حجرته صلى الله عليه وسلم خشية أن يتخذ قبره مسجداً ، كما تقدم عن عائشة رضي الله عنها في الحديث (4) ، فهذه خشية إما أن يقال : إنها كانت منصبة على الصحابة أنفسهم ، أو على من بعدهم ، فإن قيل بالأول ، قلنا فالخشية على من بعدهم أولى ، وإن قيل بالثاني ، وهو الصواب عندنا ، فهو دليل قاطع على أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا لا يرون زوال العلة المستلزم زوال الحكم ، لا في عصرهم ولا فيما بعدهم ، فالزعم بخلاف رأيهم ضلال بين . ويؤيده :
الوجه الخامس
: أن العمل استمر من السلف على هذا الحكم ونحوه ، مما يستلزم بقاء العلة السابقة ، وهي خشية الوقوع في الفتنة والضلال ، فلو أن العلة المشار إليها كانت منتفية لما استمر العمل على معلولها ، وهذا بيّن لا يخفى والحمدلله ، وإليك بعض الأمثلة على ما ذكرنا :-
1)
عن عبدالله بن شرحبيل بن حسنة قال : رأيت عثمان بن عفان يأمر بتسوية القبور ، فقيل له ، هذا قبر أم عمرو بنت عثمان ، فأمر به فسوي .
2)
عن أبي الهياج الأسدي قال : قال لي علي بن أبي طالب : (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته ، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته .
ولما كان هذا الحديث حجة واضحة على إبطال ما ذهب إليه الشيخ الغماري في كتابه المشار إليه سابقاً حاول التقصي منه من طريقين
:
الأول
: تأويله حتى يتفق مع مذهبه!
والآخر
: التشكيك في ثبوته! فقال (ص57):
فلا بد من أحد أمرين
: إما أن يكون غير ثابت في نفسه ، أو هو محمول على غير ظاهره ولا بد .
قلت
: أما ثبوته فلا شك فيه ، لأن له طرقاً كثيرة بعضها في " الصحيح " كما سبق ، ولكن أصحاب الأهواء لا يتلزمون القواعد العلمية في التصحيح والتضعيف ، بل ما كان عليهم ضعفوه ، ولو كان في نفسه صحيحاً ، كهذا الحديث وما كان لهم صححوه أو مشوه ولو كان في نفسه ضعيفاً ، وسيأتي لذلك بعض الأمثلة الأخرى والله المستعان .
وأما تأويله ، فقد ذكر له وجوهاً واهية أقواها قوله
:
إنه خبر متروك الظاهر بالاتفاق ، لأن الأئمة متفقون على كراهة تسوية القبر ، وعلى استحباب رفعه قدر شبر
"
قلت
: العجب ممن يدعي الاجتهاد ويحرم التقليد كيف يصرف الأحاديث ويتأولها حتى تتفق مع أقوال الأئمة بزعمه ، بينما الاجتهاد الصحيح يقتضي عكس ذلك تماما! على أن الحديث لا ينافي الاتفاق المذكور ، لأنه خاص بالقبر المبني عليه فحينئذ يسوى بالأرض كما سبق عن الأزهار ، واتفاق الأئمة إنما هو في الأصل الذي ينبغي أن يراعى حين دفن الميت فيرفع قليلاً ، فهذا لا يعنيه الحديث كما أفاده القارئ رحمه فيما تقدم نقله قريباً في الحاشية (ص73) .
ثم نقل الغماري في تأويل الحديث عن الشافعية أنهم قالوا
: لم يرد تسويته بالأرض ، وإنما أراد تسطيحه جمعاً بين الأحاديث .
قلت
: لو سلم هذا فهو دليل على الغمار لا لـه لأنه لا يقول بوجوب تسطيحه ، بل يقول باستحباب رفعه بدون حد وباستحباب البناء عليه قبة أو مسجد .
ثم قال الغماري في الجواب الأخير عن الحديث
: (وهو الصحيح عندنا أنه أراد قبور المشركين التي كانوا يقدسونها في الجاهلية ، وفي بلاد الكفار التي افتتحها الصحابة رضي الله عنهم بدليل ذكر التماثيل معها ).
قلت
: في بعض طرق الحديث عند أحمد أن بعث علي رضي الله عنه إنما كان إلى بعض نواحي المدينة حين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ، فهذا يبطل ما ادعاه من أن الإرسال كان إلى بلاد الكفار .
ثم إن موضع الشاهد من الحديث إنما هو بعث علي أبا الهياج إلى تسوية القبور ، وكان رئيس الشرطة ، ففيه دليل واضح على أن علياً وكذا عثمان رضي الله عنهما في الأثر المتقدم ـ كانا يعلمان هذا الحكم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم خلافاً لما زعمه الغماري
.
3)
عن أبي بردة قال : أوصى أبو موسى حين حضره الموت فقال : إذا انطلقتم بجنازتي فأسرعوا المشي ولا يتبعني مجمر ، ولا تجعلوا في لحدي شيئاً يحول بيني وبين التراب ، ولا تجعلوا على قبري بناء وأشهدكم أنبي برئ من كل حالقة ، أو سالقة ، أو خارقة ، قالوا أو سمعت فيها شيئاً؟ قال : نعم ، من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
4)
عن أنس : كان يكره أن يبنى مسجد بين القبور.
5)
عن إبراهيم أنه كان يكره أن يجعل على القبر مسجداً .
وإبراهيم هذا هو ابن يزيد النخعي الثقة الإمام ، وهو تابعي صغير مات سنة (96) ، فقد تلقى هذا الحكم بلا شك من بعض كبار التابعين من الصحابة ، ففيه دليل قاطع علـى أنهم كانوا يرن بقاء هذا الحكم واستمراره بعده صلى الله عليه وسلم ، فمتى نسخ .
6)
عن المعرور بن سويد قال : (خرجنا مع عمر في حجة حجها ، فقرأ بنا في الفجر) (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ) و(لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) ، فلما قضى حجه ورجع والناس يتبدرون ، فقال : ما هذا ؟ فقال : مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : هكذا هلك أهل الكتاب ، اتخذوا آثار أنبيائهم بيعاً ، من عرضت له منكم فيها الصلاة ، فليصل ، ومن لم يعرض له منكم فيه الصلاة فلا يصل .
7)
عن نافع قال : (بلغ عمر بن الخطاب أن ناساً يأتون الشجرة التي بويع تحتها فأمر بها فقطعت .
8)
عن قزعــة قال سألت ابن عمر : آتي الطور ؟ فقال : دع الطور ولا تأتها ، وقال : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد .
9)
عن علي بن حسين : أنه رأى رجلاً يجئ إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه ، (كذا الأصل ) فيدخل فيها فيدعو ، فدعاه فقال : ألا أحدثك بحديث سمعته من أبي عن جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : " لا تتخذوا قبري عيداً ، ولا بيوتكم قبوراً ، وصلوا علي ، فإن صلاتكم وتسليمكم تبلغني حيثما كنتم .
ويقويــه ما أخرجـه ابن أبي شيبة أيضاً وابن خزيمة في
" حديث علي ابن حجر" (ج4/ رقم 48) وابن عساكر (4/217/1) من طريقين عن سهيل بن أبي سهيل أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فالتزمه ومسح ، قال : فحصبني حسن بن حسن بن علي بـن أبـي طالب فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تتخذوا بيتي عيداً ولا تتخذوا بيوتكم مقابر ، (وصلوا علي حيثما كنتم ، فإن صلاتكم تبلغني ) .
10)
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ، ولا تجعلوا قبري عيداً وصلوا علي ، فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم .
11)
ورأى ابن عمر فسطاطاً علـى قبر عبد الرحمن فقال : " انزعه يا غلام فإنما يظله عمله .
12)
عن أبي هريرة أنه أوصى أن لا يضربوا على قبره فسطاطاً .
13)
وروى ابن أبي شيبة وابن عساكر (7/96/2) مثله عن أبي سعيد الخدري .
14)
عن محمد بن كعب قال : هذه الفساطيط التي على القبور محدثة .
15)
سعيد بن المسيب أنه قال في مرضه الذي مات فيه : إذا ما مت ، فلا تضربوا على قبري فسطاطاً.
16)
عن سالم مولى عبدالله بن علي بن حسين قال : أوصى محمد بن علي أبو جعفر قال :
(
لا ترفعوا قبري على الأرض) .
17)
عن عمرو بن شرحبيل قال : (لا ترفعوا جدثي ـ يعني القبر ـ فإني رأيت المهاجرين يكرهون ذلك ) .
واعلم أن هذه الآثار وإن اختلفت دلالاتها ، فهي متفقة على النهي في الجملة عن كل ما ينبئ عن تعظيم القبور تعظيماً يخشى منه الوقوع في الفتنة والضلال ، مثل بناء المساجد والقباب على القبور ، وضرب الخيام عليها ، ورفعها أكثر من الحديث المشروع ، والسفر والاختلاف إليها ، والتسمح بها ، ومثل التبرك بآثار الأنبياء ونحو ذلك ، فهذه الأمور كلها غير مشروعة عند السلف الذين سميناهم من الصحابة وغيرهم ، وذلك يدل على أنهم كانوا جميعاً يرون بقاء علة النهي عن بناء المساجد على القبور وتعظيمها بما لم يشرع ، ألا وهي خشية الإضلال والافتتان بالموتى كما نص عليها الإمام الشافعي رحمه الله فيما سبق ، بدليل استمرارهم على القول بالحكم المعلول بهذه العلة ، فإن بقاء أحدهم يستلزم بقاء الآخر ، كما لا يخفى ، وهذا بالنسبة لمن نص منهم على كراهية بناء المساجد على القبور ظاهراً ، أما الذين صرحوا بالنهي عن غير ذلك ، مثل رفع القبر وضرب الخيمة عليه ونحوه مما أجملنا الكلام عليه آنفاً ، فهم يقولون ببقاء الحكم المذكور من باب أولى ، وذلك لوجهين
:
الأول
: أن بناء المساجد على القبور أشد جرماً من رفع القبور وضرب الخيام عليها ، لما ورد من اللعن على البناء ، دون الرفع والضرب المذكور .
الثاني
: أن المفروض في أولئك السلف الفهم والعلم ، فإذا ثبت عن أحد منهم النهي عن شئ هو دون ما نهى عنه الشارع ، ولم ينقل هذا النهي عن أحدهم ، فنحن نقطع بأنه ينهى عنه أيضاً ، حتى ولو فرض عدم بلوغ النهي إليه لأن نهيه عما هو دون هذا يستلزم النهي عنه من باب أولى ، كما لا يخفى .
فثبت أن القول بانتفاء العلة المذكورة وما بني عليه كله باطل ، لمخالفته نهج السلف الصالح رضي الله عنهم ، مع مصادمته للأحاديث الصحيحة ، والله المستعان
.
الجواب عن الشبهة الثانية
وأما الشبهة الثانية وهي أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده كما هو مشاهد اليوم ولو كان ذلك حراماً لم يدفن فيه
والجواب
: أن هذا وإن كان هو المشاهد اليوم ، فإنه لم يكن كذلك في عهد الصحابة رضي الله عنهم ، فإنهم لما مات النبي صلى الله عليه وسلم دفنوه في حجرته في التي كانت بجانب مسجده ، وكان يفصل بينهما جدار فيه باب ، كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج منه إلى المسجد ، وهذا أمر معروف مقطوع به عند العلماء ، ولا خلاف في ذلك بينهم ، والصحابة رضي الله عنهم حينما دفنوه صلى الله عليه وسلم في الحجرة ، إنما فعلوا ذلك كي لا يتمكن أحد بعدهم من اتخاذ قبره مسجداً ، كما سبق بيانه في حديث عائشة وغيره ( ص9ـ10) ، ولكن وقع بعدهم ما لم يكن في حسبانهم! ذلك أن الوليد بن عبدالملك أمر سنة ثمان وثمانين بهدم المسجد النبوي وإضافة حُجر أزواج رسول الله صلى الله عليه سولم إليه ، فأدخل فيه الحجرة النبوية حجرة عائشة ، فصار القبر بذلك في المسجد ، ولم يكن في المدينة أحد من الصحابة حينذاك خلافاً لم توهم بعضهم ، قال العلامة الحافظ محمد ابن عبد الهادي في "الصارم المنكي " (ص 136) :
وإنما أدخلت الحجرة في المسجد في خلافة الوليد بن عبدالملك ، بعد موت عامة الصحابة الذين كانوا بالمدينة ، وكان آخرهم موتاً جابر بن عبدالله ، وتوفي في خلافة عبدالملك ، فإنه توفي سنة ثمان وسبعين ، والوليد تولى سنة ست وثمانين ، وتوفي سنة ست وتسعين ، فكان بناء المسجد وإدخال الحجرة فيه فيما بين ذلك ، وقد ذكر أبو زيد عمر بن شبة النميري ، في
" كتاب أخبار المدينة " مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم عن أشياخه
عمن حدثوا عنه أن ابن عمر بن عبد العزيز لما كان نائباً للوليد على المدينة في سنة إحدى وتسعين هدم المسجد وبناه بالحجارة المنقوشة بالساج ، وماء الذهب ، وهدم حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأدخل القبر فيه
يتبين لنا مما أوردناه أن القبر الشريف إنما إدخل إلى المسجد النبوي حين لم يكن في المدينة أحد من الصحابة وإن ذلك كان على خلاف غرضهم الذي رموا إليه حين دفنوه في حجرته صلى الله عليه وسلم ، فلا يجوز لمسلم بعد أن عرف هذه الحقيقة أن يحتج بما وقع بعد الصحابة ، لأنه مخالف للأحاديث الصحيحة وما فهم الصحابة والأئمة منها كما سبق بيانه ، وهو مخالف أيضاً لصنيع عمر وعثمان حين وسعا المسجد ولم يدخلا القبر فيه ، ولهذا نقطع بخطأ ما فعله الوليد بن عبد الملك عفا الله عنه ، ولئن كان مضطراً إلى توسيع المسجد ، فإنه كان باستطاعته أن يوسعه من الجهات الأخرى دون أن يتعرض للحجرة الشريفة ، وقد أشار عمر بن الخطاب إلى هذا النوع من الخطأ حين قام هو رضي الله عنه بتوسيع المسجد من الجهات الأخرى ولم يتعرض للحجرة ، بل قال
" إنه لا سبيل إليها " فأشار رضي الله عنه إلى المحذور الذي يترقب من جراء هدمها وضمها إلى المسجد .
ومع هذه المخالفة الصريحة للأحاديث المتقدمة وسنة الخلفاء الراشدين ، فإن المخالفين لما أدخلوا القبر النبوي في المسجد الشريف احتاطوا للأمر شيئاً ما ، فحاولوا تقليل المخالفة ما أمكنهم ، قال النووي في
" شرح مسلم " (5/14) :
ولما احتاجت الصحابة والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كثر المسلمون ، وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه ، ومنها حجرة عائشة رضي الله عنها مدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بنوا على القبر حيطانا مرتفعة مستديرة حوله ، لئلا يظهر في المسجد ، فيصلي إليه العوام ، ويؤدي إلى المحذور ، ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا ، حتى يتمكن أحد من استقبال القبر ".
ونقل الحافظ ابن رجب في
" الفتح " نحوه عن القرطبي كما في " الكوكب " (65/91/1) ، وذكر ابن تيمية في " الجواب الباهر " (ق9/2) : ( أن الحجرة لما أدخلت إلى المسجد سُد بابها ، وبني عليها حائط آخر ، صيانة لـه صلى الله عليه وسلم أن يتخذ بيته عيداً ، وقبره وثناً ) .
قلت
: ومما يؤسف لـه أن هذا البناء قد بني عليه منذ قرون ـ إن لم يكن قد أزيل ـ تلك القبة الخضراء العالية ، وأحيط القبر الشريف بالنوافذ النحاسية والزخارف والسجف ، وغير ذلك مما لا يرضاه صاحب القبر نفسه صلى الله عليه وسلم ، بل قد رأيت حين زرت المسجد النبوي الكريم وتشرفت بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة 1368هـ رأيت في أسفل حائط القبر الشمالي محراباً صغيراً ووراءه سدة مرتفعة عن أرض المسجد قليلاً ، إشارة إلى أن هذا المكان خاص للصلاة وراء القبر ، فعجبت حينئذ كيف ضلت هذه الظاهرة الوثنية قائمة في عهد دولة التوحيد! أقول هذا مع الاعتراف بأنني لم أر أحداً يأتي ذلك المكان للصلاة فيه ، لشدة المراقبة من قبل الحرس الموكلين على منع الناس من يأتوا بما يخالف الشرع عند القبر الشريف ، فهذا مما تشكر عليه الدولة السعودية ، ولكن هذا لا يكفي ولا يشفي ، وقد كنت قلت منذ ثلاث سنوات في كتابي " أحكام الجنائز وبدعها (208من أصلي ):
فالواجب الرجوع بالمسجد النبوي إلى عهده السابق ، وذلك بالفصل بينه وبين القبر النبوي بحائط ، يمتد من الشمال إلى الجنوب بحيث أن الداخل إلى المسجد لا يرى فيه أي مخالفة لا ترضى مؤسسه صلى الله عليه وسلم ، اعتقد أن هذا من الواجب على الدولة السعودية إذا كانت تريد أن تكون حامية التوحيد حقاً ، وقد سمعنا أنها أمرت بتوسيع المسجد مجدداً ، فلعلها تتبنى اقتراحنا هذا ، وتجعل الزيادة من الجهة الغربية وغيرها ، وتسد بذلك النقص الذي سيصيبه سعة المسجد إذا نفذ الاقتراح ، أرجو أن يحقق الله ذلك على يدها ، ومن أولى بذلك منها ؟)
ولكن المسجد وسع منذ سنتين تقريباً دون إرجاعه إلى ما كان عليه في عهد الصحابة ، والله المستعان
.
الجواب عن الشبهة الثالثة
:
وأما الشبهة الثالثة ، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مسجد الخيف وقد ورد في الحديث أن فيه قبر سبعين نبياّ
!
فالجواب
: أننا لا نشك في صلاته صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد ، ولكننا نقول : إن ما ذكر في الشبهة من أنه دفن فيه سبعون نبياً لا حجة فيه من وجهين :
الأول
: أننا لا نسلم صحة الحديث المشار إليه ، لأنه لم يروه أحد ممن عني بتدوين الحديث الصحيح ، ولا صححه أحد ممن يوثق بتصحيحه من الأئمة المتقدمين ولا النقد الحديثي يساعد على تصحيحه فإن في إسناده من يروي الغرائب وذلك مما يجعل القلب لا يطمئن لصحة ما تفرد به ، قال الطبراني في " معجمه الكبير " (3/204/2) : حدثنا عبدان بن أحمد نا عيسى بن شاذان ، نا أبو همام الدلال ، نا إبراهيم بن طمهان ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن ابن عمر مرفوعاً بلفظ :" في مسجد الخيف قبر سبعين نبياً ".
وأورده الهيثمي
" المجمع " (3/298) بلفظ : (...... قُبِرَ سبعون نبياً ) وقال : (رواه البزار ورجاله ثقات).
وهذا قصور منه في التخريج ، فقد أخرجه الطبراني أيضاً كما رأيت
.
قلت
: ورجال الطبراني ثقات أيضا غير عبدان بن أحمد وهو الأهوازي كما ذكر الطبراني في " المعجم الصغير " (ص136) ولم أجد له ترجمة ، وهو غير عبدان بن محمد المروزي وهو من شيوخ الطبراني أيضاً في " الصغير " (ص136) وغيره ، وهو ثقة حافظ له ترجمة في " تاريخ بغداد " (11/135) و " تذكرة الحفاظ " (2/230) وغيرها .
لكن في رجال هذا الإسناد من يروي الغرائب مثل عيسى بن شاذان ، قال فيه ابن حبان في
" الثقات " :" يغرب " .
وإبراهيم بن طمهان ، قال فيه ابن عمار الموصلي
: ضعيف الحديث مضطرب الحديث ".
وهذا على إطلاقه وإن كان مردوداً على ابن عمار ، فهو يدل على أن في حديث
ابن طهمان شيئاً ، ويؤيده قول ابن حبان في
" ثقات أتباع التابعين " ( 2/1):
أمره مشتبه ، لـه مدخل في الثقات ، ومدخل في الضعفاء ، وقد روى أحاديث مستقيمة تشبه أحاديث الأثبات ، وقد تفر عن الثقات بأشياء معضلان ، سنذكره إن شاء
الله في كتاب الفصل بين النقلة إن قضى الله سبحانه ذلك ، وكذلك كل شئ توقفنا في أمره ممن له مدخل في الثقات
ولذلك قال فيه الحافظ ابن حجر في
" التقريب" :" ثقة يغرب " وشيخ منصور ، وهو ابن المعتمر ـ ثقة ، وقد روى له ابن طهمان حديثاً آخر في مشيخته (244/ 2) ، فالحديث من غرائبه ، أو من غرائب ابن شاذان .
وأنا أخشى أن يكون الحديث تحرف على أحدهما فقال
: (قُبِر) بدل (صلى) لأن هذا اللفظ الثاني هو المشهور في الحديث ، فقد أخرج الطبراني في " الكبير (3/1551) بإسناد رجاله ثقات عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعاً :
صلى في مسجد الخيف سبعون نبياً .... ) الحديث .
وكذلك رواه الطبراني في الأوسط
(1/119/2ـ زوائـده) وعنه المقدسي في " المختــارة" (49/2) والمخلص في " الثالث من السادس من المخلصيات " (70/1) وأبو محمد بن شيبان العدل في " الفوائد" (2/222/2) وقال المنذري ( 2/116) : " رواه الطبراني في الأوسط ، وإسناده حسن ".
ولا شك في حسن الحديث عندي ، فقد وجدت له طريقاً اخرى عن ابن عباس ،
رواه الأزرقي في
" أخبار مكة " (ص35) عنه موقوفاً عليه ، وإسناده يصلح للإستشهاد به، كما بينته في كتابي الكبير " حجة الوداع " ( ولم ينجز بعد ).
ثم رواه الأزرقي
(ص38) من طريق محمد بن إسحاق قال : حدثني من لا أتهم عن عبدالله بن عباس به موقوفاً . فهذا هو المعروف في هذا الحديث ، والله أعلم .
وجملة القول أن الحديث ضعيف لا يطمئن القلب لصحته ، فإن صح فالجواب عنه
من الوجه الآتي وهو
الثاني
: أن الحديث ليس فيه أن القبور ظاهرة في مسجد الخيف ، وقد عقد الأزرقي في تاريخ مكة ( 406ـ 410) عدة فصول في وصف مسجد الخيف ، فلم يذكر أن فيه قبوراً بارزة ، ومن المعلوم أن الشريعة إنما تبنى أحكامها على الظاهر ، فإذا ليس في المسجد المذكـور قبور ظاهرة ، فلا محظور في الصلاة فيه البتة ، لأن القبور مندرسة ولا يعرفها أحد ، بل لولا هذا الخبر الذي عرفت ضعفه لم يخطر في بال أحد أن في أرضه سبعين قبراً! ولذلك لا يقع فيه تلك المفسدة التي تقع عادة في المساجد المبنية على القبورالظاهرة والمشرفة! .
الجواب عن الشبهة الرابعة
وأما ما ذكر في بعض الكتب أن قبر إسماعيل عليه السلام وغيره في الحجر من المسجد
الحرام وهو أفضل مسجد يتحرى فيه ، فالجواب
لا شك أن المسجد الحرام أفضل المساجد والصلاة فيه بمائة ألف صلاة ، ولكن هذه الفضيلة أصلية فيه منذ رفع قواعده إبراهيم مع ابنه اسماعيل عليهما السلام ، ولم تطرأ هذه الفضيلة عليه بدفن إسماعيل عليه السلام فيه لو صح أنه دفن فيه ن ومن زعم خلاف ذلك ، فقد ضل ضلالاً بعيداً ، وجاء بما لم يقله أحد من السلف الصالح رضي الله عنهم ، ولا جاء به حديث تقوم الحجة به
فإن قيل
: لا شك فيما ذكرت ، ودفن إسماعيل فيه لا يخالف ذلك ، ولكن ألا يدل هذا على الأقل على عدم كراهية الصلاة في المسجد الذي فيه قبر ؟
فالجواب
: كلا ثم كلا ، وهاك البيان من وجوه :
الأول
: أنه لم يثبت في حديث مرفوع أن اسماعيل عليه السلام أو غيره من الأنبياء الكرام دفنوا في المسجد الحرام ، ولم يرد شئ من ذلك في كتاب من كتب السنة المعتمدة كالكتب السنة ، ومسند أحمد ،ومعاجم الطبراني الثلاثة وغيرها ضعيفاً بل موضوعاً عند بعض المحققين ، وغاية ما وري في ذلك من آثار معضلات ، بأسانيد واهيات موقوفات ، أخرجها الأزرقي في " أخبار مكة " (ص39و219و220) ، فلا يلتفت إليها وإن ساقها بعض المبتدعة مساق المسلمات . ونحو ذلك ما أورد السيوطي في " الجامع " من رواية الحاكم في (الكنى) عن عائشة مرفوعاً بلفظ : إن قبر إسماعيل في الحجر .
الوجه الثاني
: أن القبور المزعوم وجودها في المسجد الحرام غير ظاهرة و لا بارزة ، ولذلك لا تقصد من دون الله تعالى ، فلا ضرر من وجودها في بطن أرض المسجد ، فلا يصح حينئذ الاستدلال بهذه الآثار على جواز اتخاذ المساجد على قبور مرتفعة على وجه الأرض لظهور الفرق بين الصورتين ، وبهذا أجاب الشيخ على القاري رحمه الله الله تعالى ، فقال في " مرقاة المفاتيح " (1/456) بعد أن حكى قول المفسر الذي أشرت إليه في التعليق :
وذكر غيره أن صورة قبر إسماعيل عليه السلام في الحجر تحت الميزاب ، وأن في الحطيم بين الحجر الأسود وزمزم قبر سبعين نبياً ) .
قال القاري
: وفيه أن صورة قبر إسماعيل عليه السلام وغيره مندرسة فلا يصلح الاستدلال .
وهذا جواب عالم نحرير ، وفقيه خريت ، وفيه الإشارة إلى ما ذكرناه آنفاً ، وهو أن العبرة في هذه المسألة بالقبور الظاهرة ، وأن ما في بطن الأرض من القبور ، فلا يرتبط به حكم شرعي من حيث الظاهر ، بل الشريعة تنزه عن مثل هذا الحكم ، لأننا نعلم بالضرورة والمشاهدة أن الأرض كلها مقبرة الأحياء ، كما قال تعالى
:} ألم نجعل الأرض كفاتا * أحياء وأمواتا { . قال الشعبي :
بطنها لأمواتكم ، وظهرها لأحيائكم
ومنه قول الشاعر
فأين القبور من عهد عاد؟ عاد؟ | ***
| صاح هذي قبورنا تملأ الرحب |
الأرض إلا من هذه الأجساد | ***
| خفف الوطأ ما أظن اديم |
لا اختيالا على رفات العباد | ***
| سر إن استطعت في الهواء رويداً |
ومن البين الواضح أن القبر إذا لم يكن ظاهراً غير معروفاً مكانه ، فلا يترتب من وراء ذلك مفسدة كما هو مشاهد ، حيث ترى الوثنيات والشركيات إنما تقع عند القبور المشرفة ، حتى ولو كانت مزورة ، لا عند القبور المندرسة ، ولو كانت حقيقة ، فالحكمة تقتضي التفريق بين النوعين ، وهذا ما جاءت به الشريعة كما بينا سابقاً ، فلا يجوز التسوية بينهما ، والله المستعان
الجواب عن الشبهة الخامسة
أما بناء أبي جندل رضي الله عنه مسجداً على قبر أبي بصير رضي الله عنه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فشبهة لا تساوي حكايتها ، ولولا أن بعض ذوي الأهواء من المعاصرين اتكأ عليها في رد تلك الأحاديث المحكمة لما سمحت لنفسي أن أسود الصفحات في سبيل الجواب عنها وبينا بطلانها
! والكلام عليها من وجهين :
الأول
: رد ثبوت البناء المزعوم من أصله ، لأنه ليس له إسناد تقوم الحجة به ، ولم يروه أصحاب (الصحاح) و (السنن) و (المسانيد) وغيرهم ، وإنما أورده ابن عبدالبر في ترجمة أبي بصير من " الاستيعاب " (4/21ـ23) مرسلاً ، فقال :
وله قصة في المغازي عجيبة ، ذكرها ابن إسحاق وغيره وقد رواها معمر عن ابن شهاب
. ذكر عبدالرزاق عن معمر عن ابن شهاب في قصة عام الحديبية ، قال : ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم ، فأرسلت قريش في طلبه رجلين ، فقالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : العهد الذي جعلت لنا أن ترد إلينا كل من جاءك مسلماً . فدفعه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرجلين ، فخرجا حتى بلغا ذا الحليفة ، فنزلوا يأكلون من تمر لهم ، فقال أبو بصير لأحد الرجلين : والله إني لأرى سيفك هذا جيد يا فلان ، فاستله الآخر ، وقال : أجل والله إنه لجيد ، لقد جربت به ثم جربت ، فقال له أبو بصير أرني أنظر إليه ، فأمكنه منه ، فضربه حتى برد وفر الاخر حتى أتى المدينة ، فدخل المسجد بعده ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم حين رآه : لقد رأى هذا ذعراً ، فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : قتل والله صاحبي ، وإني لمقتول . فجاء أبو بصير ، فقال يا رسول الله قد والله وفى الله ذمتك : قد رددتني إليهم فأنجاني الله منهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (ويل امه مسعر جرب ، لو كان معه أحد ) فلما سمع ذلك علم أنه سيرده إليهم فخرج حتى أتى سيف البحر ، قال : وانفلت منهم أبو جندل بن سهيل بن عمرو فلحق بأبي بصير . . . وذكر موسى بن عقبة هذا الخبر في أبي بصير بأتم ألفاظاً وأكمل سياقا قال : . . . وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي جندل وأبي بصير ليقدما عليه ومن معهما من المسلمين ، فقدم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي جندل ، وأبو بصير يموت ، فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده يقرؤه ، فدفنه أبو جندل مكانه ، وصلى عليه ، وبنى على قبر مسجداً .
قلت
: فأنت ترى أن هذه القصة مدارها على الزهري فهي مرسلة على اعتبار انه تابعي صغير ، سمع من أنس بن مالك رضي الله عنه ، وإلا فهي معضلة ، وكيف ما كان الأمر فلا تقوم بها حجة ، على أن موضع الشاهد منها وهو قوله :" وبنى على قبره مسجداً " لا يظهر من سياق ابن عبد البر للقصة أنه من مرسل الزهري ، ولا من رواية عبد الرزاق عن معمر عنه ، بل هو من رواية موسى بن عقبة ، كما صرح به ابن عبد البر ، لم يجاوزه ، وابن عقبة لم يسمع أحداً من الصحابة ، فهذه الزيادة أعني قوله " وبنى على قبره مسجداً " معضلة بل هي عندي منكرة ، لأن القصة رواها البخاري في " صحيحة " (5/351ـ371) وأحمد في " مسنده " ( 4/328ـ331) موصولة من طريق عبد الرزاق عن معمر قال : أخبرني عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بها دون هذه الزيادة ، وكذلك أوردها ابن إسحاق في " السيرة " عن الزهري مرسلاً كما في " مختصر السيرة " لابن هشام (3/331ـ339) ، ووصله أحمد (4/323ـ326) من طريق ابن إسحاق عن الزهري عن عروة به مثل رواية معمر وأتم وليس فيها هذه الزيادة ، وكذلك رواه ابن جرير في تاريخه (3/271ـ285) من طريق معمر وابن إسحاق وغيرهما عن الزهري به دون هذه الزيادة ، فدل ذلك كله على أنها زيادة منكرة ؛ لإعضالها ، عدم رواية الثقات لها . والله الموفق .
الوجه الثاني
: أن ذلك لو صح لم يجز أن ترد به الأحاديث الصريحة ، في تحريم بناء المساجد على القبور لأمرين :
أولاً :
أنه ليس في القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وأقره .
ثانيا
::
أنه لو فرضنا أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بذلك وأقره ، فيجب أن يحمل ذلك على أنه قبل التحريم ، لأن الأحاديث صريحة في أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم ذلك في آخر حياته كما سبق ، فلا يجوز أن يترك النص المتأخر من أجل النص المتقدم ـ على فرض صحته ـ عند التعارض وهذا بين لا يخفى ، نسأل الله تعالى أن يحمينا من اتباع الهوى .
تابع الجزء الخامس اضغط هنا
وبهذه المناسبة نقول:
إن من الواجب على أهل العلم ، أن ينتبهوا للمعاني الحديثة التي طرأت على الألفاظ العربية التي تحمل معاني خاصة معروفة عند العرب ، هي غير هذه المعاني الحديثة ، لأن القرآن نزل بلغة العرب ، فيجب أن تفهم مفرادته وجمله في حدود ما كان يفهم العرب الذين أنزل عليهم القرآن ، ولا يجوز أن تفسر بهذه المعاني الاصطلاحية الطارئة التي اصطلح عليها المتأخرون ، و إلا وقع المفسر بهذه المعاني في الخطأ ، والتقول على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من حيث يشعر ،و قدقدمت مثلاً على ذلك لفظ ( الكراهة ) ، وإليك مثالاً آخر :
لفظ
( السنة ) : . فإنه في اللغة الطريقة وهذا يشمل كل ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من الهدى والنور فرضاً كان أو نفلاً ، وأما اصطلاحاً فهو خاص بما ليس فرضاً من هديه صلى الله عليه وسلم ، فلا يجوز أن يفسر بهذا المعنى الاصطلاحي لفظ ( السنة ) الذي ورد في بعض الأحاديث الكريمة ، كقوله صلى الله عليه وسلم : " (وعليكم بسنتي) وقوله صلى الله عليه وسلم " . . . فمن رغب عن سنتي فليس مني " ، ومثله الحديث الذي يورده بعض المشايخ المتأخرين في الحض على التمسك بالسنة بمعناها الاصطلاحي وهو :" من ترك سنتي لم تنله شفاعتي " ، فأخطأوا مرتين :
الأولى : نسبتهم الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم و لا أصل له فيما نعلم .
الثانية : تفسيرهم للسنة بالمعنى الاصطلاحي ، غفلة منهم عن معناها الشرعي ، وما أكثر ما يخطئ الناس فيما نحن فيه بسبب مثل هذه الغفلة .
ولهذا أكثر ما نبه شيخ الإسلاوم ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهم الله على ذلك ، وأمروا في تفسير الألفاظ الشرعية بالرجوع إلى اللغة لا العرف ، وهذا في الحقيقة أصل لما يسمونه اليوم ب
" الدراسة التاريخية للإلفاظ " .
ويحسن بنا ان نشير إلى أن من أهم أغراض مجمع اللغة العربية في الجمهورية العربية المتحدة في مصر
" وضع معجم تاريخي للغة العربية ، ونشر بحوث دقيقة في تاريخ بعض الكلمات ، وما طرأ على مدلولاتها من تغيير " كما جاء في الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون ذي الرقم (434) (1955) الخاص بشأن تنظيم مجمع اللغة العربية (انظر " مجلة المجتمع " ج8ص5) . فعسى أن يقوم المجمع بهذا العمل العظيم ، ويعهد به إلى أيد عربية مسلمة ، فإن أهل مكة أدرى بشعابها ، وصاحب الدار أدرى بما فيها ، وبذلك يسلم هذا المشروع من كيد المستشرقين ، ومكر المستعمرين .
1)
مذهب الحنفية الكراهة التحريمية
والكراهة بهذا المعنى الشرعي قد قال به هنا الحنفية فقال الإمام محمد تلميذ أبي حنيفة في كتابه " الآثار" (ص45) : (لا نرى أن يزاد على ما خرج من القبر ، ونكره أن يجصص أو يطين أو يجعل عنده مسجداً ) .
والكراهة عن الحنفية إذا أطلقت فهي للتحريم ، كما هو معروف لديهم ، وقد صرح بالتحريم في هذه المسألة ابن الملك منهم كما يأتي .
3)
مذهب المالكية التحريم
وقال القرطبي في تفسيره ( 10/38) بعد أن ذكر الحديث الخامس : (قال علماؤنا : وهذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد ).
4)
مذهب الحنابلة التحريم
ومذهب الحنابلة التحريم أيضاً كما في
" شرح المنتهى " (1/353) وغيره ، بل نص بعضهم على بطلان الصلاة في المساجد المبنية على القبور ، ووجوب هدهما ، فقال ابن القيم في " زاد المعاد " (3/22) في صدد بيان ما تضمنته غزوة تبوك من الفقه والفوائد ، وبعد أن ذكر قصة مسجد الضرار الذي نهى الله تبارك وتعالى نبيه أن يصلي فيه ، وكيف أنه صلى الله عليه وسلم هدمه وحرقه قال : (ومنها تحريق أمكنة المعصية التي يعصى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيها ، مسجد يصلى فيه ، ويذكر اسم الله فيه ، لما كان بناؤه ضرراً وتفريقاً بين المؤمنين ، ومأوى للمنافقين ، وكل مكان هذا شأنه فواجب على الإمام تعطيله ، إما بهدم أو تحريق ، وإما بتغيير صورته وإخراجه عما وضع لـه ، وإذا كان هذا شأن مسجد الضرار؛ فمشاهد الشرك التي تدعو سدنتها إلى اتخاذ من فيها أنداداً من دون الله أحق بذلك ، وأوجب ، وكذلك محال المعاصي والفسوق ، كالحانات ، وبيوت الخمارين ، وأرباب المنكرات ، وقد حرق عمر بن الخطاب قرية بكاملها يباع فيها الخمر ، وحرق حانوت رويشد الثقفي وسماه فويسقاً ، وحرق قصر سعد لما احتجب عن الرعية ، وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت تاركي حضور الجماعة والجمعة ، وإنما منعه من فيها من النساء والذرية الذين لا تجب عليهم كما أخبر هو عن ذلك . ومنها أن الوقف لا يصح على غير بر ، ولا قربة ، كما لم يصح وقف هذا المسجد ، وعلى هذا فيهدم المسجد إذا بني على قبر كما ينبش الميت إذا دفن في المسجد نص على ذلك الإمام أحمد وغيره ، فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر ، بل أيهما طرأ على الآخر منع منه ، وكان الحكم للسابق ، فلو وضعا معاً لم يجز ، ولا يصح هذا الوقف ولا يجوز ولا تصح الصلاة في هذا المسجد لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولعنه من اتخذ القبر مسجداً ، أو أوقد عليه سراجاً ، فهذا دين الإسلام الذي بعث الله به رسوله ونبيه وغربته بين الناس كما ترى ).
فتبين مما نقلناه عن العلماء أن المذاهب الأربعة متفقة على ما أفادته الأحاديث المتقدمة ، من تحريم بناء المساجد على القبور . وقد اتفق العلماء على ذلك اعلم الناس بأقوالهم ومواضع اتفاقهم واختلافهم ، ألا وهو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، فقد سئل رحمه الله بما نصه : (هل تصح الصلاة على المسجد إذا كان فيه قبر ؛ والناس تجتمع فيه لصلاتي الجماعة والجمعة أم لا ؟ وهل يمهد القبر ، أو يعمل عليه حاجز أو حائط) ؟ فأجاب : الحمدلله ، اتفق الأئمة أنه لا يبنى مسجد على قبر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ؛ فإني أنهاكم عن ذلك " . وأنه لا يجوز دفن ميت في مسجد فإن كان المسجد قبل الدفن غُيّر ، إما بتسوية القبر ، وإما بنبشه إن كان جديداً ، وإن كان المسجد بني على بعد القبر ، فإما أن يزال المسجد وإما تزال صورة القبر ، فالمسجد الذي على القبر لا يصلى فيه فرض ولا نفل ، فإنه منهي عنه " كذا في الفتاوى له (1/107/ ، 2/192) .
وقد تبنت دار الإفتاء في الديار المصرية فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية هذه ، فنقلتها عنه في فتوى لها أصدرتها تنص على عدم جواز الدفن في المسجد ، فليراجعها من شاء في
" مجلة الأزهر " (ج112ص501و503) .
وقال ابن تيمية في
" الاختيارات العلمية " (ص52) :
(
يحرم الإسراج على القبور ، واتخاذ القبور المساجد عليها ، وبينها ، ويتعين إزالتها ، ولا أعلم فيه خلافاً بين العلماء المعروفين ".
ونقله ابن عروة الحنبلي في
" الكواكب الدراري " (2/244/1) وأقره .
وهكذا نرى أن العلماء كلهم اتفقوا على ما دلت عليه الأحاديث من تحريم اتخاذ المساجد على القبور ، فنحذر المؤمنين من مخالفتهم ، والخروج عن طريقتهم ، خشية أن يشملهم وعيد قوله عز وجل
}ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا .
(
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) .
الفصل الرابع
:
شبهات وجوابها
:
قد يقول قائل
: إذا كان من المقرر شرعاً تحريم بناء المساجد على القبور ، فهناك أمور كثيرة تدل على خلاف ذلك وإليك بيانها :
أولاً
::
قوله تعالى في سورة الكهف : (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) ، وجه دلالة الآية على ذلك : أن الذين قالوا هذا القول كانوا نصارى ، على ماهو مذكور في كتب التفسير ، فيكون اتخاذ المسجد على القبر من شريعتهم ، وشريعة من قبلنا شرعية لنا إذا حكاها الله تعالى ، ولم يعقبها بما يدل على ردها كما في هذه الآية الكريمة .
ثانياً
::
كون قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده الشريف ، ولو كان ذلك لا يجوز لما دفنوه صلى الله عليه وسلم في مسجده .
ثالثاً
::
صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد الخيف مع أن فيه قبر سبعين نبياً كما قال صلى الله عليه وسلم !
رابعاً
::
ما ذكر في بعض الكتب أن قبر إسماعيل عليه السلام وغيره في الحجر من المسجد الحرام ، وهو أفضل مسجد يتحرى المصلى فيه .
خامساً
::
بناء أبي جندل رضي الله عنه مسجداً على قبر أبي بصير رضي الله عنه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في " الاستيعاب " لابن عبد البر .
سادساً
::
زعم بعضهم أن المنع من اتخاذ القبورمساجد إنما كان لعلة خشية الافتتان بالمقبور ، زالت برسوخ التوحيد في قلوب المؤمنين ، فزال المنع .
الجواب عن الشبهة الأولى
:
أما الشبهة الأولى فالجواب عنها من ثلاثة وجوه
:
الأول
::
أن الصحيح المتقرر في علم الأصول أن شريعة من قبلنا ليست شريعة لنا لأدلة كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم : " اعطيت خمساً لم يعطهن أحداً من الأنبياء قبلي (فذكرها ، وآخرها ) وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة ، وبعثت إلى الناس كافة " .
فإذا تبين هذا فلسنا ملزمين بالأخذ بما في الآية لو كانت تدل على أن جواز بناء المسجد على القبر كان شريعة لمن قبلنا
!
الثاني
::
هب أن الصواب قول من قال : " شريعة من قبلنا شريعة لنا " فذلك مشروط عندهم بما إذا لم يرد في شرعنا ما يخالفه ، وهذا الشرط معدوم هنا ، لأن الأحاديث تواترت في النهي عن البناء المذكور كما سبق ، فذلك دليل على أن ما في الآية ليس شريعة لنا .
الثالث
::
لا نسلم أن الآية تفيد أن ذلك كان شريعة لمن قبلنا غاية ما فيها أن جماعة من الناس قالوا : ( لنتخذن عليهم مسجداً) فليس فيها التصريح بأنهم كانوا مؤمنين ، وعلى التسليم فليس فيها انهم كانوا مؤمنين صالحين ، متمسكين بشريعة نبي مرسل ، بل الظاهر خلاف ذلك ، قال الحافظ ابن رجب في " فتح الباري في شرح البخاري " (65/280) من "الكواكب الدراري" (حديث لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد).
وقد دل القرآن على مثل ما دل عليه هذا الحديث ، وهو قول الله عزوجل في قصة أصحاب الكهف
: (قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً) فجعل اتخاذ القبور على المساجد من فعل أهل الغلبة على الأمور ، وذلك يشعر بان مستنده القهر والغلبة واتباع الهوى وأنه ليس من فعل أهل العلم والفضل المنتصر لما أنزل الله على رسله من الهدى " .
وقال الشيخ علي بن عروة في
" مختصر الكوكب " (10/207/2) تبعاً للحافظ ابن كثير في تفسيره (3/78) : حكى ابن جرير في القائلين ذلك قولين :
أحدهما
: أنهم المسلمون منهم .
والثاني
: أهل الشرك منهم .
فالله أعلم والظاهر أن الذين قالوا ذلك هم أصحاب الكلمة والنفوذ ولكن هم محمودون أم لا ؟ فيه نظر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذر ما فعلوا ، وقد رُويّنا عن عمر بن الخطاب أنه لما وجد قبر دانيال في زمانه بالعراق أمر أن يخفى عن الناس ، وأن تدفن تلك الرقعة التي وجدها عنده ، فيها شئ من الملاحم وغيرها ".
إذا عرفت هذا ، فلا يصح الاحتجاج بالآية على وجه من الوجوه ، وقال العلامة المحقق الآلوسي في
" روح المعاني " (5/31) .
واستدل بالآية على جواز البناء على قبور العلماء واتخاذ مسجد عليها ، وجواز الصلاة في ذلك
! وممن ذكر ذلك الشهاب الخفاجي في حواشيه على البيضاوي ، وهو قول باطل عاطل ، فساد كاسد فقد روي ....)
ثم ذكر بعض الأحاديث المتقدمة ، وأتبعها بكلام الهيتمي في
" الزواجر" مقراً له عليه ، وقد نقلته فيما سبق ، ثم نقل عنه في كتابه " شرح المنهاج " ما نصه :
(
وقد أفتى جمع بهدم كل ما بقرافة مصر من الأبنية ، حتى قبة الإمام الشافعي عليه الرحمة ، التي بناها بعض الملوك ، وينبغي لكل أحد هدم ذلك ما لم يخش منه مفسدة ، فيتعين الرفع للإمام آخذاً من كلام ابن الرفعة في الصلح ) انتهى .
ثم قال الإمام الآلوسي
: (لا يقال : إن الآية ظاهرة في كون ما ذكر من شرائع من قبلنا ، وقد استُدِلَّ بها، فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال : (من نام عن صلاة أو نسيها ) . الحديث ثم تلا قوله تعالى (وأقم الصلاة لذكري) ، وهو مقول لموسى عليه السلام ، وسياقه الاستدلال ، واحتج أبو يوسف على جري القود بين الذكر والأثنى بآية (وكتبنا عليهم) ، والكرخي على جريه بين الحر والعبد ، والمسلم والذمي بتلك الآية الواردة في بني إسرائيل ، إلى غير ذلك ، لأنا نقول : مذهبنا في شرع من قبلنا وإن كان أنه يلزمنا على أنه شريعتنا ، لكن لا مطلقاً ، بل إنْ قص الله تعالى علينا بلا إنكار [فإنكار] رسوله صلى الله عليه وسلم كإنكاره عز وجل . وقد سَمِعتَ أنه عليه الصلاة والسلام لعن الذين يتخذون المساجد على القبور ، على أن كون ما ذكر من شرائع من قبلنا ممنوع ، وكيف يمكن أن يكون اتخاذ المساجد على القبور من الشرائع المتقدمة مع ما سمعت من لعن اليهود والنصارى حيث اتخذوا قبور أبنيائهم مساجد ، والآية ليست كالآيات التي ذكرنا آنفاً احتجاجُ الأئمة بها ، وليس فيها أكثر من حكاية قول طائفة من الناس وعزمهم على فعل ذلك ، وليست خارجة مخرج المدح لهم والحض على التأسي بهم ، فمتى لم يثبت أن فيهم معصوماً لا يدل على فعلهم عن عزمهم على مشروعية ما كانوا بصدده .
ومما يقوي قلة الوثوق بفعلهم القول بأن المراد بهم الأمراء والسلاطين ، كما روي عن قتادة
وعلى هذا لقائل أن يقول
: إن الطائفة الأولى كانوا مؤمنين عالمين بعدم مشروعية اتخاذ المساجد على القبور ، فأشاروا بالبناء على باب الكهف وسده ، وكف التعرض لأصحابه ، فلم يقبل الأمراء منهم ، وغاظهم ذلك حتى أقسموا على اتخاذ المسجد .
وإن أبيت إلا حسن الظن بالطائفة الثانية فلك أن تقول
: إن اتخاذهم المسجد عليهم ليس على طراز اتخاذ المساجد على القبور المنهي عنه ، الملعون فاعله ، وإنما هو اتخاذ مسجد عندهم وقريباً من كهفهم ، وقد جاء التصريح بالعندية في رواية القصة عن السدي ووهب ، ومثل هذا الاتخاذ ليس محذوراً إذ غاية ما يلزم على ذلك أن يكون نسبة المسجد إلى الكهف الذي فهم فيه ، كنسبة النبوي إلى المرقد المعظم صلى الله تعالى على من فيه وسلم ، ويكون قوله } لنتخذن عليهم { على هذا الشاكلة قول الطائفة ( ابنوا عليهم ) .
وإن شئت قلت
: إن ذلك الاتخاذ كان على كهف فوق الجبل الذي هو فيه ، وفيه خبر مجاهد أن الملك تركهم في كهفهم وبنى علي كهفهم مسجداً ، وهذا أقرب لظاهر اللفظ كما لا يخفى ، وهذا كله إنما يحتاج إليه على القول بأن أصحاب الكهف ماتوا بعد الإعثار عليهم ، وأما على القول بأنهم ناموا كما ناموا أولاً فلا يحتاج إليه على ما قيل.
وبالجملة لا ينبغي لمن له أدنى رشد أن يذهب إلى خلاف ما نطقت الأخبار الصحيحة والآثار الصريحة ، معولاً على الاستدلال بهذه الآية ، فإن ذلك في الغواية غاية ، وفي قلة النُهى نهاية
! ولقد رأيت من يبيح ما يفعله الجهلة في قبور الصالحين من إشرافها ، وبنائها بالجص والآجر ، وتعليق القناديل عليها ، والصلاة إليها ، والطواف بها ، واستلامها ، والاجتماع عندها ، في أوقات مخصوصة ، إلى غير ذلك محتجاً بهذه الآية الكريمة ، وبما جاء في بعض روايات القصة من جعل الملك لهم في كل سنة عيداً ، وجعله إياهم في توابيت من ساج ، ومقيساً لبعض على بعض ! وكل ذلك محادة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وابتداع دين لم يأذن به الله عز وجل .
ويكفيك في معرفة الحق تتبع ما صنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسل في قبره عليه السلاة والسلام ـ وهو أفضل قبر على وجه الأرض ـ والوقوف على أفعالهم في زيارتهم له والسلام عليه ، فتتبع ذاك وتأمل ما هنا وما هناك ، والله سبحانه يتولى هداك
".
قلت
: وقد استدل بالآية المذكورة على الجواز المزعوم ، بل على استحباب بناء المساجد على القبور بعض المعاصرين لكن من وجه آخر مبتدع مغاير بعض الشئ لما سبق حكايته ورده فقال ما نصه "
والدليل من هذه الآية إقرار الله إياهم على ما قالوا ، وعدم رده عليهم
"
قلت هذا الاستدلال باطل من وجهين
:
الأول
: أنه لا يصح أن يعتبر عدم الرد عليهم إقراراً لهم ، إلا إذا ثبت أنهم كانوا مسلمين وصالحين متمسكين بشريعة نبيهم ، وليس في الآية ما يشير أدنى إشارة إلى أنهم كانوا كذلك ، بل يحتمل أنهم لم يكونوا كذلك ، وهذا هو الأقرب ؛ أنهم كانوا كفاراً أو فجاراً ، كما سبق من كلام ابن رجب وابن كثير وغيرهما ، وحينئذ فعدم الرد عليهم لا يعد إقراراً بل إنكاراً ، لأن حكاية القول عن الكفار والفجار يكفي في رده عزوه إليهم! فلا يعتبر السكوت عليه إقراراً كما لا يخفى ، ويؤيده الوجه الآتي :
الثاني
: أن الاستدلال المذكور إنما يستقيم على طريقة أهل الأهواء من الماضين والمعاصرين ، الذين يكتفون بالقرآن فقد ديناً ، و لا يقيمون للسنة وزناً ، وأما طريقة أهل السنة والحديث الذيـن يؤمنون بالوحيين ، مصدقين بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المشهور : (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ". وفي رواية :" ألا إن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله ).
فهذا الاستدلال عندهم والمستدل يزعم أنه منهم باطل ظاهر البطلان ، لأن الرد الذي نفاه ، قد وقع في السنة المتواترة كما سيق ، فكيف يقول
: إن الله أقرهم ولم يرد عليهم ، مع أن الله لعنهم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ، فأي رد أوضح وأبين من هذا .
وما مثل من يستدل بهذه الآية على خلاف الأحاديث المتقدمة ؛ إلا كمثل من يستدل على جواز صنـع التماثيـل والأصنـام بقولـه تعالـى في الجن الذين كانوا مذللين لسليمان عليه السلام
:(يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ ) يستدل بها على خلاف الأحاديث الصحيحة التي تحرم التماثيل والتصاوير! وما يفعل ذلك مسلم يؤمن بحديثه صلى الله عليه وسلم .
وبهذا ينتهي الكلام عن الشبهة الأولى ، وهي الاستدلال بآية الكهف والجواب عنها وعن ما تفرع منها
تابع الجزء الرابع اضغط هنا